يشكل تعليم الطفل من مختلف الجوانب هدفا أمام العديد من البلدان مع انتشار العولمة اليوم في هذا العالم المعقد. النجاح في الحياة لا يعتمد على الذكاء وحده، بل يتعلق أيضا بالاستقرار العاطفي والقيم والسلوك والمهارات الاجتماعية. في مواجهة هذا العالم المتقلب والمعقد، ينصب اهتمام الجميع على قدرات التواصل والتعاون مع الآخرين، والسلوك والقيم التي تمكننا من العمل في عالم متعدد الثقافات، ومهارات التفكير العليا، بالإضافة إلى المعارف الأساسية والمتقدمة في مختلف المجالات. يطلب العديد من المربين اليوم من المدارس لعب دور أكبر في تطوير الطفل بشكل شامل، حتى في البلدان التي يركز التعليم فيها بشكل رئيسي على تطوير الجوانب الفكرية عند الطفل.
يقوم التعليم الياباني منذ زمن طويل بالتأكيد على تنمية الطفل الشاملة، حيث يضم المنهاج الدراسي الرسمي في اليابان حصصا لتعليم الطفل الشامل. إن أحد العناصر المركزية في الطريقة اليابانية لتعليم الطفل الشامل هو فترة الأنشطة الخاصة (توكوبيتسو كاتسودو) والتي تدعى اختصارا “توكّاتسو”. لم يتم تقديم مفهوم التوكّاتسو خارج اليابان حتى الآن إلا فيما ندر على الرغم من ممارسته في جميع أنحاء اليابان.
يوفر هذا الموقع للجمهور الدولي معلومات عن الطريقة اليابانية في تعليم الطفل الشامل، وبخاصة التوكّاتسو، لتسهيل عملية تبادل المعلومات بين البلدان. نأمل بأن يساهم هذا الموقع في نقاش الهياكل التعليمية والأسس الإيديولوجية والممارسات التي تقوم بتعليم الطفل بشكل شامل في سياقات ثقافية مختلفة.
إن لمفهوم تعليم الطفل الشامل في المناهج الدراسية في المدارس اليابانية تاريخا طويلا في مرحلة ما بعد الحرب.
يدعو الإصدار الأحدث من Course of Study إلى تطوير الطفل المتوازن بشكل شامل.
في سبيل النجاح في مجتمع الغد السريع التغير، نجد أنه من المهم ضمان تنمية متوازنة لكل من الفكر والفضيلة والجسد، أي بتعبير آخر ضمان أساس متين للكفاءة الأكاديمية (تاشكانا غاكوريوكو) والعواطف الغنية (يوتاكانا كوكورو) والنمو البدني الصحي (سوكوياكانا كارادا).
(ملاحظة) مترجم عن موقع وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا (MEXT) http://www.mext.go.jp/a_menu/shotou/new-cs/idea/index.htm، حزيران/يونيو 2012.
ترجمات هذه المجموعة البحثية خاصة بهذا الموقع وهي ترجمات مؤقتة. لقد بدأ Course of Study (سير المنهاج) الجديد في عام 2011 في المدارس الابتدائية وعام 2012 في المدارس الإعدادية وعام 2013 في المدارس الثانوية (ما عدا الرياضيات والعلوم التي بدأت عام 2012).
المدارس الابتدائية
المدارس الإعدادية
Course of Study (المدارس الابتدائية)
http://www.mext.go.jp/a_menu/shotou/new-cs/youryou/eiyaku/1261037.htm (في كانون الأول/ديسمبر 2012).
موقع وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا (MEXT)/ Guidebook for Starting School, Procedures for Entering Japanese Schools، نيسان/أبريل 2005، http://www.mext.go.jp/component/english/__icsFiles/afieldfile/2011/03/17/1303764_008.pdf، في 2011.
إن أحد الأمور المركزية في معايير تعليم الطفل الشامل في المنهاج الدراسي الياباني الوطني اليوم هو حصة النشاطات الخاصة التي تدعى توكوبيتسو كاتسودو، والتي تضم العديد من النشاطات غير الأكاديمية كالغداء والنشاطات الرياضية والهوايات ونوادي الطلبة. تشكل نشاطات التوكّاتسو عنصرا دائما في المنهاج الدراسي الرسمي.
1947 تم إدخال مادة تدعى “البحث المستقل” (جيو كينكيو).
1951 تم إدخال النشاطات غير الأكاديمية في المدارس الابتدائية والنشاطات التعليمية الخاصة (توكوبيتسو كيوئيكو كاتسودو) في المدارس الثانوية وتم إلغاء “البحث المستقل”.
1958 تم تقسيم الحقول غير الأكاديمية إلى “الأخلاق” و “النشاطات التعليمية الخاصة” و “المناسبات المدرسية وغيرها”.
1968 تم الجمع بين “النشاطات التعليمية الخاصة” و “المناسبات المدرسية وغيرها” وتسميتها “النشاطات الخاصة” (توكوبيتسو كاتسودو) في المدارس الابتدائية والإعدادية. وأما في المدارس الثانوية فقد تمت تسميتها “نشاطات تعليمية غير المواد الأساسية” (كاكو كيوكا إغاي نو كيوئيكو كاتسودو).
1977 انتشار نشاط توكوبيتسو كاتسودو في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية.
1989 لا تغيير في نشاطات التوكّاتسو
1998 تم إدخال حصة الدراسات المتكاملة
2008 لا تغيير في نشاطات التوكّاتسو
(مرجع) تحرير م. ياماغوتشي و إ. ياسوي. Tokubetsu katsudo to ningenkeisei. طوكيو: Gakubunsha. 2001 طبعة منقحة من طبعة 1990، الفصل 2.
نتائج وآثار التوكّاتسو – نموذج خاص بالمدرسين الغربيين
كاثرين لويس (أستاذة جامعية، كلية ميلز)
بدأ تعليم الرياضيات والعلوم في اليابان في العقود الأخيرة بتلقي الاهتمام الذي يستحقه حول العالم (على سبيل المثال http://hrd.apec.org/index.php/Lesson_Study/ – www.lessonresearch.net). يقوم المعلمون اليوم في العديد من البلدان باستخدام تعابير مثل “جوغيو كينكيو” (استطلاع الدروس) و “نيريآغي” (الحوار الذي “يصقل” أفكار الطلاب). ولكن كم من المربين خارج اليابان يدركون أن تعليم الطفل الشامل هو الركيزة الأساسية لنجاح التعليم الياباني؟ كم منهم يعرفون تعبير “توكّاتسو”؟
تشير النظريات والبحوث الأساسية في الغرب إلى أن قيام المدارس بتلبية حاجات الأطفال النفسية الأساسية المتعلقة بالاستقلالية والانتماء والكفاءة (مجموعة ABC جديدة) يؤدي إلى تعلق الطلاب بالمدرسة (Connell & Wellborn، 1991؛ Deci& Ryan، 1985؛ Battistich et al.، 2000).
“الاستقلالية” تعبر عن حاجة الطفل إلى الشعور ببعض السيطرة على البيئة المحيطة به وحاجته إلى التحرر من القيود الظالمة أو التي لا مبرر لها. تمنح المدارس اليابانية الأطفال استقلاليتهم بطرق متعددة (Lewis، 1995). يتولى جميع الأطفال دور القيادة بتناوب يومي يؤكد لكل طالب بأنه قد يكون أحد الطالبين الذين يحاولان جاهدين تهدئة الصف (وذلك هو ما يحدث بالفعل). يقوم الأطفال بالمساعدة في صياغة الأهداف والقوانين التي يتبعونها عن طريق اقتراح أهداف تطوير شخصية وأهداف لتحسين الصف ثم يقومون بمراجعة التقدم الذي أحرزوه. يركز الانضباط على التقييم الذاتي بدلا من تقييم المعلم، وعلى الإدارة الذاتية بدلا من سيطرة الكبار. يتم عقد اجتماعات قصيرة مرتين يوميا واجتماعات أسبوعية أطول بقيادة الطلاب تؤمن فرصة للطلاب لعرض وحل المشاكل التي تنشأ في الصفوف وأثناء اللعب.
“الانتماء” يشير إلى حاجة الطفل إلى علاقات وثيقة وداعمة. من الأمور الأساسية في نظريات التنمية البشرية الغربية واليابانية على حد سواء هو أن تلك العلاقات تشكل أمرا جوهريا في تطور الطفل العاطفي والاجتماعي السليم. تقوم المدارس الابتدائية اليابانية بتعزيز مثل تلك العلاقات بطرق متعددة، فهي تجعل من الود والتعاون أهدافا مركزية وواضحة في الحياة المدرسية، وتؤكد على انتماء الجميع للصف والمجتمع المدرسي، وتتجنب التجمعات المرتكزة على القدرات أو الجوائز الفردية وغيرها من الأمور التي توحي بأن بعض الأفراد يحظون بتقدير أكبر من غيرهم. يبذل المعلمون جهودا كبيرة لتنشئة مجموعات صغيرة كالعائلات يشعر فيها الأطفال بالراحة والقدرة على الكلام بحرية.
“الكفاءة” تعني حاجة الطفل إلى ممارسة أنشطة تعتبر جديرة بالاهتمام. يقوم الأطفال بطبيعتهم باكتشاف العالم ومحاولة فهمه حتى بدون مكافآت أو تشجيع من الآخرين. كثيرا ما تكون الدروس في المدارس اليابانية مدفوعة بتفكير الأطفال الخاص وبمشاركتهم في مهام يغلب عليها أن تكون مثيرة للاهتمام بحد ذاتها، كصناعة زوارق تطفو على الماء، وتصميم الملعب المثالي، واستكشاف جميع غرف المدرسة، واستخدام القياس لفهم العالم من حولهم. يفوق احتمال قيام مثل تلك النشاطات الهادفة والتي تنبع من رغبة الطفل بتلبية حاجة الأطفال إلى الشعور بالكفاءة ما قد يقوم به التركيز على المهارات “الأساسية” المعزولة. إن نطاق المنهاج الابتدائي الياباني واسع جدا، حيث يتم تخصيص حوالي ثلث وقت الصف لما يمكن تسميته بالمواد “غير الأكاديمية”، كالفنون والموسيقى والتربية البدنية والتطور الأخلاقي والنشاطات الخاصة. إن التركيز على الجهود والمشاركة بدلا من المنافسة يزيد من احتمال قيام جميع الأطفال – وليس قلة فقط من ذوي القدرات الأكاديمية – بإيجاد مجالات يتفوقون فيها والشعور بأهميتهم كأفراد في المجتمع المدرسي.
تؤكد العديد من البحوث الغربية اليوم على أن ارتباط الطلاب بالمدرسة (ما يدعى غالبا “الترابط” أو التجربة المدرسية بصفتها “مجتمعا يوفر الرعاية”) يقلل من السلوك المعادي للمجتمع والتدمير الذاتي ويساعد على زيادة النتائج الأكاديمية إلى حد كبير (Battistich et al، 2000؛ Schaps، 2005). هناك كم هائل من المعارف المتعلقة بكيفية تعزيز تجربة الطلاب المدرسية كمجتمع يوفر الرعاية (Schaps، 2005، 2009)، إلا أننا نادرا ما نوليها حتى ولو قدرا ضئيلا من الاهتمام الذي نوليه لتدريس المواد التي يتم تقييمها عن طريق درجات الاختبارات الموحدة، على الرغم من أنها قد تكون الركيزة الأساسية التي تساعد الطلاب على تطوير الشخصية والدافع اللازمين للاستمرار والنجاح في المدرسة.
لقد تفاجأت حين قال لي أحد المدرسين اليابانيين منذ عقود عديدة بأن أهم وظائف المدرسة الابتدائية هو “خلق ذكريات سعيدة”. يرى العديد من المربين في الغرب بأن التعليم الأكاديمي وتطوير الطفل الشامل أمران متضاربان، في حين أنهما أمران ضروريان بالنسبة لبعضهما البعض. عندما تشكل المدرسة مكانا يضم علاقات إنسانية عميقة وداعمة، يصبح لدى الطلاب الحافز لتحسين أنفسهم قدر الإمكان، بما في ذلك السعي للتعلم. وعندما تقوم المدرسة بالتركيز على قيم كالصداقة والتعاون والمسؤولية إلى جانب مجموعة واسعة من الأهداف الأكاديمية وغير الأكاديمية، يشعر الطلاب بتقدير أكبر لبعضهم البعض ولمجموعة واسعة من المهارات والقدرات الهامة بالنسبة للمجتمع الإنساني.
آمل أن يقوم هذا الموقع بإثارة الاهتمام بالتوكّاتسو عند المربين حول العالم كاهتمامهم باستطلاع الدروس.
(المراجع)
Battistich, V., Schaps, E., Watson, M., Solomon, D., & Lewis, C. (2000). Effects of the child development project on students’ drug use and other problem behaviors. Journal of Primary Prevention, 21(1), 75-99.
Connell, J. P., & Wellborn, J. G. (1991). Competence, autonomy, and relatedness: A Motivational analysis of self-system processes. In M. R. Gunnar & L. A. Sroufe (Eds.), The Minnesota Symposia on Child Development, 23 (pp. 43-77). Hillsdale, NJ: Erlbaum.
Deci, E. L., & Ryan, R. R. (1985). Intrinsic motivation and self-determination in human behavior. New York: Plenum.
Lewis, C. (1995). Educating hearts and minds: Reflections on Japanese preschool and elementary education. Cambridge, MA: Cambridge University Press.
Lewis, C. C., Battistich, V., &Schaps, E. (1990). School-based primary prevention: What is an effective program? New Directions for Child Development, 90, 35-59.
Schaps, E. (2005) The role of supportive school environments in promoting academic success. Chapter 3 in Getting Results, Developing Safe and Healthy Kids Update 5: Student Health, Supportive Schools, and Academic Success.
للتحميل:
getresults5_ch3Schaps.pdf.
Schaps, E. (March/April 2009). Creating caring school communities. Leadership, 8-11.
(1 سبتمبر/أيلول 2012)